امرأة تسند امرأة

انطلقت المسيرة إذاَ من أمام جامع عبد الناصر في كورنيش المزرعة، وجهتها السراي الحكومي المهجّرة، حينذاك، إلى  منطقة الصنائع في المبنى الذي تشغله وزارة الداخلية اليوم، غايتها مقابلة رئيس مجلس الوزراء، شفيق الوزان، لمطالبته بالعمل الفوري سعياً للإفراج عن الذين خطفوا وفقدوا.

الصخب يملأ المكان. وجوه غاضبة، نظرات تعكس حجم الظلم الذي وقع ، حناجر تكيل الشتائم بحق كل خاطف، لم توفر أي مسؤول سكت وما زال بالعاً لسانه عن جرائم الخطف، بل بقي متكمشاً  بكرسيه، لا يحرّك، حتى إصبعاً ، لأجل إعادة هؤلاء إلى عائلاتهم أو على الأقلّ لوقف مسلسل هذه الممارسات اللاإنسانية بحقّ الأبرياء العُزّل.

بعض النسوة لم تطاوعهن الكلمات  ففاض الدمع  مدراراً يواكب سيل الشتائم والنواح..

خلال المسيرة، تابعت النسوة  سرد وقائع  اختطاف الابن أو الزوج أو الأخ ، أو اثنين أوأكثر من أفراد البيت الواحد في بعض الحالات، دون أن يسقط منها أي تفصيل، وكأن ما حصل يحدث أمامها الآن فتجهش بالبكاء. تحاول الأخرى التي  تجاورها تهدئتها ومساعدتها، فتأخذ دورها في الكلام، تدلي بمأساتها وهكذا دواليك.. امرأة تسند امرأة ، رواية تصطّف وراء رواية.. وجريمة تنطح جريمة..

أعتقد أنه لو كان بمقدور الأرض  أن تنطقَ بما تختزنه من حكايات أولئك النسوة لملأت مجلدّات. مجلدات حيّة قد تضفي عليها صورالجلادين مزيداً من الغنى والمصداقية. وبما أن معظم هؤلاء المجرمين ما زالوا أحياء يرزقون، يتنقّلون بيننا بحرية وأمان، ومنهم مَن يتبوأ  أعلى المراكز في مؤسسات الدولة السياسية والإدارية..  فإنه متاح تأمين صور لهم في زمني الحرب والسلم.. في زي الميليشيا وفي الزي الرسمي.. فهم القادة في الحرب وهم القادة في السلم..!!هم دائماً وأبداً زعماء ..إنهم قادة "مخضرمون"، أو قادة  "دوبل فاس".. بكل الأحوال هم سيدخلون صفحات التاريخ السوداء، بل يجب ذلك..!!

عندما وصلت المسيرة إلى نقطة التقاطع الثانية على كورنيش المزرعة انحرفت يميناً فصعوداً إلى كورنيش "تلة الخياط" باتجاه السراي الحكومي.