هو الهدف Jeep الجيب
صمود النساء في المعركة، تماديهن ونجاحهن في نشر غسيل المجرمين والمسؤولين على حد سواء، قد يكون حدا بهؤلاء الى استبدال القمع باللجوء إلى التفاوض مع الأهالي في محاولة التفافية لضبضبة الموضوع وتحاشي انفلاشه أكثر، لخنقه في المهد.
تراجع الجنود إلى الوراء عندما حضر الضابط، سأل النسوة، وقد طوّقنه من كل الجهات، عن الشخص المسؤول الذي يمكنه التكلم باسمهن. اتجهتْ العيونُ والأصابعُ بحثاً عني. أساساً كنت قد بدأت التقدّم من الصفوف الخلفية مجرّد أن لمحته يتوجّه صوبنا. بدأ كلامه بالاعتذار عما جرى ومبرراً حصوله في ذات الوقت. عرّفت عن نفسي، بناء لطلبه، وبدأت أجيب على أسئلته : سبب وجودي هنا، اسم زوجي، مهنته، عمره، تاريخ خطفه ومَن أتهم.. اعترضتُ على الاستمرار بطرح هذه الأسئلة من دون معنى باعتبار أن القضية لا تنحصر بزوجي بل بذوي كل السيدات الموجودات في الساحة .. تابع يسأل عن علاقتي بهؤلاء النسوة، أين وكيف تعرّفت إليهن، هل حقيقة لديهم أشخاص مخطوفون، أعدادهم، أماكن وتواريخ الخطف... أيضاً اعترضت على التمادي بالأسئلة وتنبّهت من أن يكون هناك شيء يُحضّر ضدنا من وراء هذه الإطالة وإضاعة الوقت، خصوصاً عندما انتقل إلى مجموعة أخرى من الأسئلة من نوع إلى أي حزب أو تنظيم أنتمي، من طلب منا التظاهر و و... كان يصغي إلى كل كلمة أقولها محاولاً إيقاعي بأي تناقض أو تعارض في سياق الاجابة على أسئلته المضجرة التي لا تنتهي. أكثر من مرة طلب مني إسكات الأهالي كلما ارتفعت أصوات تشي بنفاد الصبر أو علت صرخات غضب أو آهات تحسر وألم.. وهذا ما أعطاني المبرر لطلب إنهاء التحقيق، وترْكنا وشأننا نكمل الطريق.. لكنه ابتسم متذاكياً محاولاً أن يلعب دور الحليف وحامي الحمى قائلاً :" لقد اقتنعتُ بقضيتِكن ، معكن كل الحق، يمكنكن الآن العودة إلى البيوت باطمئنان. الرسالة وصلتْ وسأنقل الموضوع إلى الرئيس وكل ما تُردن طلبه منه، أساساً هو من انتدبني لأنوب عنه، ألا تثقين بي يا مدام؟".
طرحتُ السؤال عالياً على الأهالي إذا كنّ يقبلن بعرض الضابط، فجاءت الـ"لا" بصوت واحد، مدوّية.. هن مَن سيقابل الرئيس ولن ينوبَ أحدٌ عنهن..
عندما أيقن الضابط فشل مخططه بثنينا عن الهدف، عرض المقايضة التالية: أختارُ ثلاثة نساء أو أربعة على الأكثر لمقابلة الرئيس شرط أن تتفرّق المظاهرة فوراً وتمضي كل امرأة في طريقها، وطلب منا الصعود إلى الجيب العسكري المتوقف جانباً لاصطحابنا إلى السراي .
تزاحمت الأقدامُ وتلاصقتُ الأجساد مهرولةً لبلوغ الجيب وركوبه.. صار الجيب هو الهدف. المنافسة شديدة بين النساء، المقياس الحاسم للفوز هو السرعة.. النتيجة المباشرة كانت أن ضاقتْ الآلية العسكرية على مَن تمكّنت من تسلقها قبل غيرها وحجزِ ولو شبراً جوّاتها.. جلسنا فوق بعضنا البعض، عددُنا فاق المُقرّر، كل واحدة تكمّشتْ بالجزء الذي استطاعت ملامسته من الجيب وذلك تدعيماً لموقعها داخله.. بالرغم من تهديد الضابط بإنزالنا كلنا وإضاعة هذه الفرصة من أيدينا. لم تقبل أي من النسوة التنازل عن فرصتها الذاتية، فرصة العمر بالنسبة لكل واحدة منهن. أظن أن كلاً من سيدات الجيب كانت تعتقد، أنه بعد مقابلة الرئيس وشرح قصتها أمامه، لن تعود إلا وهي متأبطة ذراع ابنها أو زوجها أو...!! بعد الخبرة، دائماً ما يحضر الشخص المفقود افتراضياً لدى مَن يفتقده.