"مجنونات دار الفتوى"
انتهى اللقاء مع الرئيس، بدأ لقاؤنا مع بعضنا في باحة السراي قبل مغادرتها.
تعرّفنا على بعضنا بالأسماء، استعدنا بعض ما دار في الحوار مع الرئيس، ما صادفنا على مدار ساعات ذلك النهار الشاق والطويل. ببساطة استنتجنا أن ما جرى كان مهماً، ليس فقط على مستوى مقابلة رئيس الحكومة ووضع القضية على طاولة "مسؤولياته"، بل أن القمع الذي تعرّضنا له على أيدي عناصر الجيش والتعدّي على كراماتنا قد يساهم في إعلاء صوتنا، وربما في تسليط الضوء على ما هو أكبر من المأساة الشخصية لكل واحدة منا، على مآسٍ إذا ما توحدّت تصبح قضية.
لذا قررّنا التلاقي مجدداً في الغد، ثم ما بعده ثم كل يوم حتى تحقيق عودة الأحبة..
وكرّت سبحة اللقاءات والتحركات. درجنا على الانطلاق في معظم التحركات من "دار الفتوى". وقد لقّبنا أحد الصحافيين، لم أعد أتذكّر اسمه، بـ"مجنونات دار الفتوى" نسبة إلى "مجنونات ساحة مايو" في الأرجنتين.
لم نترك مسؤولاً إلاّ وقابلناه، وأحياناً بالقوة، أذكر على سبيل المثال يوم نجحتْ قدمي في منع السيد نبيه برّي من إغلاق باب بيته في وجهنا، وذلك عبر اسراعي في زركها داخله مما حال دون تحقيق هدفه، مما اضطره للاعتذار واستقبالنا.
لم نترك باباً، ظننا أنه قد يساعدنا، إلا وطرقناه، حتى أننا قابلنا قادة الميليشيات، وآباء بعضهم أحياناً.. أذكر لقاءاتنا مع "بيار الجميل" الأب، كميل شمعون، وليد جنبلاط، نبيه برّي، إيلي حبيقة...وغيرهم، مراهنين على بقايا ذرة إنسانية لديهم من أجل الإفراج عن أبنائنا أو عن معلومة تطمئننا عن مصير شخص واحد منهم على الأقل..
صارت المظاهرات سلوكاً اعتيادياً يومياً. لم يعد يخفنا رصاص القناصين، لم تعد تردعنا القذائف العشوائية ولا السيارات المفخخّة، لم ننصع للتهديدات ولم نضعف أمام الاغراءات.. كل يوم كنا نتعلم دروساً إضافية مما يصادفنا على أرض الواقع بدءاً من المخاطر الأمنية وصولاً إلى الوعود الكاذبة التي كان يكيلها لنا المسؤولون.. عرفنا أن الدرب ليس سهلاً وليس آمناً.. أن الدموع لا تحرّر مخطوفاً ولا تعثر على مفقود، وأنه حتى لو تداعينا إلى حفل بكاء جماعي، وسالت دموعنا أنهراً لا بد من الفعل لا الانفعال.. تعلّمنا أن وحدتنا هي قوتنا، فنظمنا صفوفنا للمطالبة بعودة أحبائنا جميعاً دون التمييز بين مخطوف وآخر وبغض النظر عن هويات الجهات المسؤولة عن اختطافهم...